11/11/2010

فضيل عثمان الدرسي : الموت والوفاة في القرآن الكريم

الموت والوفاة في القرآن الكريم







فضيل عثمان الدرسي






الموت : الموت ضد الحياة ،


وأصل الموت في لغة العرب : السكون ، وكل ما سكن فقد مات ، فتراهم يقولون : ماتت النار موتاً : إذا برد رمادها ، فلم يبق من الجمر شيء ، وماتت الريح : ركدت وسكنت ، وماتت الخمر : سكن غليانها ، والموت ما لا روح فيه وإذا كان السكون أصل الموت في لغتنا ، فإن الحركة أصل الحياة ، ففي لسان العرب: الحي كل متكلم ناطق ، والحي من النبات ما كان طرياً يهتز (1)

يقول الله عزوجل :{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الزمر42.


أي يقبضها عند فناء آجالها والتي لم تمت في منامها اختلف فيه . فقيل : يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها. فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى وهي النائمة فيطلقها بالتصرف إلى أجل موتها.


النوم شبيه الموت ، ولذلك يسميه علماؤنا بالوفاة الصغرى ، فالنوم وفاة ، والقيام من النوم بعث ونشور.










وقال ابن عباس وغيره من المفسرين : إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها ، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده ، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها (2).






وأصل كلمة الوفاة هو: التمام والكمال،


قال تعالى:{وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} البقرة: 40، {يوفون بالنذر} الإنسان 7، {وإبراهيم الذي وفى}النجم 37.






جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس: وَفَى: الواو والفاء والحرف المعتل: كلمة تدل على إكمال وإتمام.


منه الوفاء: إتمام العهد وإكمال الشرط. ووفى أوفى فهو وفيٌّ، ويقولون: أوفيته الشيء إذا قضيته إياه وافيًا. وتوفيت الشيء واستوفيته، ومنه يقال للميت توفَّاه الله.


ومن معانيها: أوفى على المائة إذا زاد عليها، ووافيت العام: حججت، وتوفي فلان: توفاه الله تعالى وأدركته الوفاة.






فالمعنى: استكمال الموعد المحدد للمرء في الدنيا، وهذا قد يعني الموت بإخراج الروح،


وقد يعني استيفاء المدة المؤقتة، وقبض الجسد بعد مدة معينة بغير إخراج الروح..


يقول الله عزوجل:{وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ} يعني استوفت فالوفاة سميت وفاة لأنها قد استوفت أجلها فتوفي الإنسان بمعنى أنه قد استوفى أجله .


{فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} 34 الأعراف.






وقد جاءت الوفاة في القرآن على معانٍ منها:






النوم: قال الله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} الأنعام: 60 أي: يُنيمُكم.






الموت: قال الله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت}السجدة: 11.






وقد جمع الله المعنيين في قوله سبحانه: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في


منامها}الزمر: 42 فاستعمل الوفاة في الحالين: النوم والموت؛ لأن النوم أخو الموت؛


كما قال صلى الله عليه وسلم لما سُئل: أفي الجنة نوم؟ قال: ((لا .. النوم أخو الموت)) ، والجنة لا موت فيها


.


ومعنى متوفيك في شأن عيسى عليه السلام:


{إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }آل عمران55.


عبر بعضهم عنها بقوله متوفيك يعني مستوفياً عملك يعني مستوفي عملك فتذهب إلى السماء وبعد ذلك تعود إلى العمل مرة أخرى إذا أراد الله أن تعود في آخر الزمان ليستأنف عمله بعد ذلك. علمائنا فسروا الوفاة المنسوبة لعيسى ابن مريم بأنها وفاة النوم .. اي الوفاة المجازية، اقتران الرفع بالتوفي قرينة عدم قبض الروح.


{ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ }


سورةالأنعام60.






{اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} سورة الزمر42.


-----------------------------------------






(1)- لسان العرب.


(2 )- تفسير القرطبي.







No comments:

Post a Comment